من يقرأ عنوان رواية «قواعد العشق الأربعون» للروائيّة التركيّة «إليف شافاق»، يعتقد بأن أحداثها تدور حول قصة حب ملتهبة، والحقيقة أن توليفتها أعمق من هذه النظرة بكثير! فهي رواية تتحدّث عن نهج الصوفيّين. الرواية ضخمة تتكوّن من خمسمئة صفحة. كل بطل من أبطال الرواية يتحدّث عن نفسه، ما يدفعك لمعرفته عن قرب. بطلة الرواية الرئيسيّة (إيلا روبنشتاين)، وهي تُقيم مع أسرتها يهوديّة الديانة في مدينة «نورثامبتون» بولاية ماساشوستش بأميركا. إيلا كانت تعيش حياة رتيبة وعادية مع زوجها «ديفيد» طبيب الأسنان الناجح والثري، لكنها كانت ترى بأن التفاهم والمودة أهم من العاطفة والعشق، لذا كانت تتغاضى كثيراً عن خيانات زوجها المتكررة لها، خاصة وأن زواجها أثمر عن ثلاثة أبناء. بعد عشرين سنة من زواجها تُقرر «إيلا» الطلاق من زوجها، والسبب يعود إلى أن الحب داهم حياتها بغتة، كما لو أن أحداً ألقى حجراً من مكان ما في بركة حياتها الراكدة! وقد بدأت الحكاية مع قرب عيد ميلاد «إيلا» الأربعين، حيث عثر لها زوجها بعد سنوات طويلة من قيامها بدور ربّة بيت، على وظيفة في وكالة أدبيّة مقرها بوسطن، ينحصر دورها في قراءة الأعمال الروائيّة وكتابة تقرير شامل عنها. لم تتحمّس «إيلا» لهذه الوظيفة، لكن بعد أن بدأت في قراءتها، وجدت نفسها تنجذب لتفاصيل المخطوطة التي تدور أحداثها بالقرن الثالث عشر، والتي تتحدّث عن الشاعر والعالم الصوفي الشهير جلال الدين الرومي، الذي يعتبره الكثيرون «شكسبير العالم الإسلامي». المؤلفة ببراعتها الكتابيّة، تنجح في المزج بين الحاضر والماضي، فتقصَّ علينا كيف بدأت العلاقة الروحيّة بين الرومي وصديقه شمس التبريزي، الذي يعود له الفضل في تحويل صديقه الرومي من خطيب، إلى شاعر صوفي كبير، وإلى تأسيس «رقصة الدراويش» التي لها تابعوها في كافة أرجاء العالم. هذه العلاقة الروحانيّة تُحرّك غيرة زوجة الرومي والمقربين منه، وتدفع أحد أبنائه إلى التخطيط لقتله بالاتفاق مع قاتل مأجور. ويحزن الرومي بعد مقتل صديقه، وهنا يقول «جِد الشخص الذي سيكون مرآتك، شمس التبريزي جعلني أبحث في أعماق روحي وثناياها». وعودة إلى «إيلا»، التي تجد نفسها ودون أن تدري، قد وقعت في حب مؤلف الرواية، وهو الذي تفصله عنها ملايين الكيلومترات، حيث كان يعيش في مدينة أمستردام بهولندا. وتبدأ في كتابة رسالة له عبر الإيميل، ويرد عليها، وتتوالى الرسائل بينهما إلى أن يقرر المؤلف السفر إلى بوسطن طالباً منها أن تلتقيه هناك. تُقرر «إيلا» ملاقاة المؤلف، وتُدمدم في سرّها بكلمات شمس التبريزي التي قرأتها في ثنايا الرواية «ليس من المتأخر مطلقاً أن تسأل نفسك، هل أنا مستعد لتغيير الحياة التي أحياها؟!.. مع كل نفس جديد، يجب على المرء أن يتجدد ويتجدد ثانية». تنتهي الرواية بموت المؤلف الذي كان في الثانية والخمسين، ويُصارح «إيلا» لحظة رآها، بأنه مُصاب بمرض سرطان الجلد، وأن الأطباء أخبروه بأن أمامه ستة عشر شهراً ليوّد الحياة، ناصحاً إياها بأن تعود لبيتها، قائلًا لها «أنا لا أملك مستقبلاً يمكنني أن أقدمه لك». ترفض «إيلا» الرجوع، وتردُّ عليه بأنها تُفضّل الحاضر على المستقبل. وتظل بجانبه في المستشفى حتّى يلفظ أنفاسه الأخيرة. تتصل بها ابنتها الكبرى بعد انتهاء مراسم الدفن، تسألها إن كانت ستتراجع عن قرار الطلاق! تجيبها بأنها قررت العيش في أمستردام والعمل هناك، قائلة «لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسألي نفسك ما نوع العشق الذي تريدينه، روحياً كان أم مادياً، إلهياً أم دنيوياً، غربياً أم شرقياً.. العشق ماء الحياة».